مقال عن معرض "النافورة الخاملة" لِ فيكي بيركلوس

مقال عن معرض "النافورة الخاملة" لِ فيكي بيركلوس

Cathryn Drake

عالم مرئي ، 2018 ، سيراميك ، خشب ، 3 عروض فيديو ، أبعاد متغيرة. عرض التركيب ، وجود الغياب ، أو نظرية الكارثة ، مركز الفنون ببلدية نيقوسيا ، 2018 ، برعاية كاثرين دريك. اعتمادات الصورة: نيكوس لوكا.

رحلتنا الكونية لا نهاية لها، لكننا نعيش كما لو أنه لن يكون هناك غد. إن ما يدفعنا قبل كل شيء إلى الأمام، هو خوفنا من الموت. تطورت المساكن البشرية عبر الزمن من أماكن للعيش أشبه بالملاجئ إلى هياكل معمارية معقدة. تخلق هذه الأبنية أوهاماً توحي بالاستدامة والنظام، ولكنها تخفي أنظمة تأثير خبيثة تحافظ على دورات الطبيعة وإيقاعاتها، ولو بشكلٍ مؤقت. يشمل المنزل المعاصر عالَم البناء بمجمله المتداخل في شبكة من الظواهر التي تؤثر على أبعد زوايا الأرض. وبما أن الرأسمالية هي ديننا، نرى كوكب الأرض بين الحين والآخر يخلق أزمة كي يذكرنا بأن الطبيعة هي جوهر الإنسان وشرط حالته الصحية السلمية. الطبيعة انعكاسٌ لكينونتنا. أعادت جائحة كوفيد 19 إلى الأذهان مرةً أخرى عدم أهمية الحدود البيولوجية والجغرافية-السياسية بين جميع الكائنات الحية.

يعتمد بناؤنا لسكننا على الرغبة والقدرة المادية والحظ. عندما عثرت الفنانة القبرصية فيكي بريكليوس بالصدفة على أطلال بتروفاني المهجورة، وهي قرية هاجر منها القبارصة الأتراك مجبَرين إلى الشمال، وتقع في منطقة خضراء تشكل مَرَاعٍ للأغنام، بدا لها وكأن ما ترى ليس نهاية القصة، بل بداية شيء آخر ينبت من الأرض الخام. عملها" الحدّ الأدنى من العالم المرئي" (2018) الذي عملت عليه لمعرض "حضور الغياب، أو نظرية الكارثة" في مركز نيقوسيا المحلي للفنون، هو إعادة بناء مصغرة لموطن استقرار اقتبست اسمه من "الأطلال الدائرية" لخورخي لويس بورخيس. "الأطلال الدائرية" هي قصة قصيرة نُشرت في عام 1940، تستحضر بناءً مهجورًا تم ترميمه ليكون ملجأً مقدسًا للاجئين. في قصة بورخيس هذه، يصل ساحر على متن قارب إلى بقايا متفحمة لمعبد شُيّد لإله حضارة تلاشت. لكن في النهاية، دمرت نيران أخرى من جديد هذه الآثار.

قبرص هي منطقة استراتيجية جيوسياسية يطالب بها في وقتنا الحاضر كل من الأتراك واليونانيين. تجسد هذه القضية الوضع الاجتماعي والسياسي الحالي للعالم كمكان مقسم ليس بسبب الاختلافات الثقافية، ولكن بسبب أسطورة القوميات التي لطالما كانت في خدمة الاستعمار والاستغلال الاقتصادي. منذ عام 1974، عندما غزت تركيا الجزيرة في أعقاب صحوة العنف القومي والانقلاب العسكري الفاشل من قبل المجلس العسكري اليوناني، نزح معظم السكان داخل حدود بلدهم، وتم نفيهم على بعد أميال فقط من منازلهم. في السنوات الفاصلة منذ الاحتلال، تمت إعادة مواءمة التوازن الديموغرافي شمال حدود الأمر الواقع لصالح المهاجرين القادمين من تركيا، بينما فر القبارصة الأتراك في اتجاهات مختلفة.

تتلألأ الأضواء المنبعثة من المساجد العملاقة المبنية حديثًا بشكل واضحٍ جداً من الطرق السريعة في الليل، جنبًا إلى جنب مع لافتات النيون الخاصة ببيوت البغاء. وتقوم قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بدوريات في المنطقة العازلة المعروفة باسم الخط الأخضر. أما المناطق المتميزة المعروفة على أنها إقليم بريطاني ما وراء البحار، هي إرث استعماري، يظهر بشكل جليّ في التربة العشبية المنقّطة بمنازل غريبة ولافتات شوارع إنجليزية. يتكون التدفق الأجنبي الأخير إلى الجزيرة من أثرياء روس قدِموا للحصول على "جوازات سفرٍ ذهبية"، كان قد فرّ الكثير منهم من الملاحقة الجنائية أو الضرائب.

Anti-Model for a Future ، 2020 ، الألياف الزجاجية ، الجبس المزيف ، فسيفساء مزيفة 140 × 197 × 60 سم ، منظر للتركيب ، غاليري آرت سين ، برعاية ماريا ستاتي. اعتمادات الصورة: نيكوس لوكا

في عام 1998، تم إنقاذ قارب للاجئين بالقرب من مطار تابع لسلاح الجو الملكي البريطاني كان قد وصل شواطئ قبرص قادماً من لبنان. استقبلت القاعدة العسكرية البريطانية ديكيليا الرّكاب البالغ عددهم عشرين لاجئاً من سوريا، والعراق، وإثيوبيا، والسودان. تم اسكانهم في قرية ريتشموند، في مجموعة من الأكواخ التي قُيّمت مسبقاً بأنها غير صالحة للسكن فتمّ إخلاؤها من قبل الضباط. مُنح اللاجئون حق اللجوء، لكن العائلات الست عاشت لمدة عشرين عامًا في هذه المساكن المؤقتة، على قطعة أرض مهجورة عليها لافتات شوارع باهتة تحمل أسماء مثل: طريق مابلز وشارع كورنواليس وواترلو، بينما نشأ خلاف بين حكومتي المملكة المتحدة وقبرص حول من يتحتم عليها تحمّل المسؤولية القانونية عن مصائر هؤلاء اللاجئين.

أعلنت الحكومة البريطانية في هذا الصدد أن اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لم يتم تمديدها أبدًا لتشمل مناطق القواعد السيادية، لذلك ليس للعائلات أي حقِّ بطلب الانتقال للعيش في المملكة المتحدة. في هذه الاثناء تبيّن أن هذه المنازل تحتوي على كميات ضارة من مادة الأسبستوس التي تسبب الإصابة بالسرطان. وهكذا ولد الأطفال وترعرعوا في مأزق لم يتمكّنوا فيه حتى من الحصول على الجنسية. سجلت الفنانة إيفي سافيدس قصص العائلات من أجل مشروعها "الإمبراطورية تتلاشى، والفرق تعزف". قبل سنوات من منح المحكمة البريطانية أخيرًا للعائلات حق الإقامة الدائمة في عام 2018، وجدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مستويات عالية من القلق والاكتئاب بين هؤلاء اللاجئين. وبينما هنأت السلطات البريطانية نفسها على الحكم الإنساني، نشرت وزارة الداخلية التحذير التالي: "إن قرار المحكمة العليا واضح: اللاجئين الذين صلوا إلى المناطق السيادية الإنكليزية في قبرص ليس لديهم الحق التلقائي في القدوم إلى المملكة المتحدة".

تجسّد بيركليوس تاريخ الحمق البشري في سلسلة غير منتهية من المنحوتات والرسومات والصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو التي تكشف عن أبعاد بديلة للوجود من خلال التمزق والانفصال في الزمان والمكان. وظّفت الفنانة مجاز الحداثة لتصوير حاضر بائس مألوف بشكل مؤلم مبنيٌّ على بقايا ماض منتَجٍ قاحل جدًا لدرجة لا يتحمل فيها إمكانية مستقبل مثمر. من خلال تكرار الصور عبر الروايات السياقية المختلفة، يزعزع هذا العمل الفني تصوراتنا للعالم المادي ويوائم نظرتنا مع إيقاعاته الطبيعية. تلخص بيركليوس آليات العمل في الكون من خلال مواد مأخوذة من محيطها، والتي يُعثر عليها دائمًا عن طريق الصدفة في الأرشيف أو على أرض جزيرة قبرص المتوسطية.

تم تصميم نسخة طبق الأصل من منزلٍ للحَمام بُنيَ في الستينيات، وكان قد عُثر عليه في بافوس (موقع معبد قديم لأفروديت). ثم وُضعت هذه النسخة بين النماذج المصغرة في معرض "الحد الأدنى من العالم المرئي". بهذه الطريقة سلّطت بريكليوس الضوء على التوتر بين المُثُل الطوباوية للحداثة وتطبيقاتها الفاشلة أو فضاءاتها التي عفا عليها الزمن، بقدر ما ركّزت كذلك على السعي وراء الاستمرارية وحتمية التغيير والإزاحة. "عندما أنظر إلى مبنى، أتخيل دائمًا مستقبله: الشقوق التي لا مفر منها، التعفن والتقادم، هجر أصحابه له، انهياره، وتحلله النهائي". تم عرض اللقطات التي سجلتها كاميرات المراقبة المثبتة على أطلال قرية بتروفاني، على جدران المعرض، بحيث اندمجت المساحات الحقيقية والخيالية بسلاسة لتشكل مساحة ثالثة يسكنها المشاهد فقط. اكتُشف فيما بعد أن أجزاء من القرية أصبحت موطنًا للطيور.

تولّد الأطلال افتتانًا عاطفيًا باعتبارها تجسيدًا للعصور الماضية بينما تشرح فكرة المكان على أنه مؤقّتٌ وذاتيّ. على الرغم من أنها غالبًا ما يتم تخصيصها وإعادة استخدامها لخدمة أيديولوجية الأنظمة السياسية، لكن بقايا هذه القرية لا تمثّل شيئاً أبداً. إنها ببساطة بقايا القرية، ولا شيء أكثر من ذلك. وفي سلسلة السببية هذه، لا يوجد ما يمنع من تحوّلها إلى شيء آخر تمامًا.

العودة الأبدية للشمس ، 2020 ، بلاط صناعي ، سيراميك ، 2020 ، غاليري آرت سين ، برعاية ماريا ستاثي. اعتمادات الصورة: نيكوس لوكا.

عندما قصفت الطائرات التركية مدينة فاماغوستا الساحلية في آب من عام 1974، فرّ 15000 من القبارصة اليونانيين من مدينة فاروشا الساحرة، معتقدين أنهم سيكونون قادرين على العودة بعد انتهاء الصراع. لكن الفيلات المُسيجة تُركت عُرضة للنهب والتعفن لمدة 46 عامًا، ومؤخراً تم فتح المنطقة المتنازع عليها كمنطقة جذب سياحي ملتوية من قبل النظام التركي غير المعترف به. كانت تلك حركة سياسية استفزازية أثارت ضجة كبيرة.

إذا كان إلقاء نظرة سريعة على النوافذ الشاغرة لأطلالٍ حديثة عبر السياج المتسلسل مؤلمًا للغاية، تخيل فقط أنك تمشي بين المنازل السابقة والفنادق الشاهقة والملاهي الليلية؛ سيكون ذلك موجِعاً بشكلٍ لا يُطاق. على الساحل المقابل، يعد موقع مافي كوشك ("البيت الأزرق") موقعًا تاريخيًا غريبًا، ولكنه أكثر قبولا، يديره جنود أتراك. بناه باولو باوليديس عام 1957، وهو مهرّب أسلحة ومحامي لرئيس أساقفة قبرص السابق مكاريوس الثالث. تبدو الفيلا العصرية المفروشة بالكامل وكأنها لم تتغير قيد أُنملة منذ اليوم الذي نجا فيه مالكها من الغزو عندما هرب عبر نفق متوارٍ خلف سريره.في صالة عرض آرت سيين الواقعة في وسط مدينة نيقوسيا، أقامت بركليوس معرضها "النافورة الخامِلة"، وهو مجموعة من الأعمال التي يتردّدُ صدى ارتباطاتها وإشاراتها إلى خارج الفضاء المادي، أي إلى أبعاد زمانية مكانية لا متناهية. كان المحور الرئيسي للعرض هو العمل النحتي "نموذج مضاد، للمستقبل" (2020)، وهو عبارة عن جسمٍ حلزوني مُعلّق مدعوم بقوس رفيع قائم على قدمين. اللولب الطيفي، المصنوع من الألياف الزجاجية البيضاء، عبارة عن جزء معماري تمت فصله عن محتواه ثلاث مرات. الأصل هو صورة وجدتها الفنانة في موسوعة. ثم صُمّم كنموذجٍ بعد أن قدم المهندس المعماري إيليني لويزو نسخة ثلاثية الأبعاد لبرج غوص للحصول على بركة مياه للمد والجزر في مركز بالنيير جورج أورثليب في الدار البيضاء. أما المهندس المعماري موريس ليربير، فقد عمل عليه أثناء بناء مركز رياضي طموح في ثلاثينيات القرن الماضي خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي أحدثها التطور الاستعماري للمغرب في فترة ما بعد الحرب، لكنه هُدم في سبعينيات القرن الماضي، مما أفسح المجال لبناء مسجد الحسن الثاني الضخم. معزول عن سياقه المضاعف في غموضه، يمثّل النحت المبتور العزلة السياقية للحداثة، بينما يرمز شكله إلى اللانهاية والزمانية.

إننا نرفض مواجهة محدودية شكلنا حتى عندما نسرع إلى هلاكنا الجماعي. فنحافظ على ما يتماشى مع احتياجاتنا الفورية بينما نستبدل الطبيعة المضيئة بشاشة مضيئة شديدة السطوع بحيث تحجب رؤيتنا. في عمل "كاسا" (دار-إشارة للدار البيضاء) 2020، نرى رسم شبحي لمسبح الدار البيضاء باللون الأصفر الفاتح والقلم الرصاص، يشبه البقعة الصفراء التي تبقى في العين لبرهة بعد النظر إلى شيء ما تحت أشعة الشمس الساطعة. يعكس ذلك ذكرى معينة، أو ربما صورة لاحقة لشيء لم يعد موجودًا. مع ذلك، هناك شيء ملموس قريب، ربما نسخة من برج الغوص الأصلي الذي يتردد صداه أيضًا. على أي حال، ليس التمثيل مثاليًا أبداً، وهو ذاتيٌّ دائماً، يعتمد كليًا على وجهات نظر جزئية مأخوذة من إطار الزمن التاريخي..

في النهاية، تصبح النسخة هي الأصل. وكشيءٍ خارج السياق، بسبب عدم وجود حوض مليء بالمياه للإشارة إلى وظيفته، يجسد "النموذج المضاد" في النحت التطور الدائم للمادة. إذ يشير الدرج الدوار الذي صار مضاعفاً بفضل القسم المنزلق، إلى صعود بطيء خطوة بخطوة إلى الأعلى متبوعًا بالنزول الحتمي الذي يسبب الدوار. يمكن إدراك مسار التمثال فقط من مسافة بعيدة، وليس من الداخل. إذا ما نظرنا إليه من الأعلى، سنرى دائرة تفقد تقدمها الحتمي وتنتهي من حيث بدأت، مثل أفعى الأوربوروس الأسطورية التي تلتهم نفسها ثم تولد باستمرار.

The Image’s Tail ، 2020 ، قناتين فيديو ، صوت 8 دقائق و 13 ثانية. اللقطات من الفيديو.

تظهر الأشكال بأحجام مختلفة ومقاربات متداخلة، مما يستدعي الطبيعة الدورية للأشياء والتكرار اللانهائي للتاريخ.

في "العودة الأبدية للشمس" (2020). غطى البلاط الأبيض بدقّة أرضية المكان بأكمله، تتخلله مسارات متقاطعة من اللون الأرجواني تتقابل في إحدى زوايا الغرفة باللون الأصفر الذهبي لتشكيل منحنى مشع يستحضر غروب الشمس. يمتدّ أحد مسارات اللون الأرجواني نحو المدخل، مُفضياً إلى تصميم مماثل على رصيف المجمع التجاري المجاور، وهو مبنى تجاري مُفلس بني في التسعينيات وكان يُعرف سابقًا بشركات الإسكان. انهار خلال الأزمة المالية في عام 2013. إن الفروق بين الماضي والحاضر، بين هنا وهناك، بين المألوف والغير مألوف، بين الخيال والواقع تتفكك في الضوء الصارخ في هذا الفضاء.

ليس هناك حد للعشوائية: إنه المظهر المادي للوقت الجيولوجي. إنك تحفر في مكان واحد ثم تشكل الأنقاض التي تم التخلص منها كومة في مكان آخر. فيديو "ذيل الصورة" (2020) الذي يعرض على قناتين، يتم بثه في الفضاء الافتراضي للإنترنت، من خلال نافذة على شكل مروحة تعكس شكل ذيل الطاووس. يتراجع فراغ أسود ببطء عبر الشاشة ليكشف عن درج حلزوني يصعد الشبكة المدمرة للمبنى التجاري المجاور، أما القرميد فيستحضر من خلال نمطه حركة الشمس على جدار المعرض. تزيِّن النافذة مبنى قبرصي تركي في بافوس مهجور في السبعينيات ويستخدم حاليًا كمكتب من قبل شخص قبرصي يوناني. يتغير ضوء الشمس وتتحرك الظلال عبر الواجهة لتعكس ثورات الكوكب ومُضيّ الزمن. عندما ينطفئ النيون، يصبح إطار النافذة الأبيض أشبه بالعظام مشكلاً نوع من تذكارات الموت.

تستمر الصور في الانقسام والتلاشي في مسارٍ شاعري يعبر مواقع مختلفة في قبرص: تنعكس التكتّلات السكنية على زجاج مبنى شاهق لشركة. ثم تدخل شجرة نخيل في الإطار كما لو كانت دخيلًا جامحًا. ثم تتطابق قلعة من القرون الوسطى مع مبنى سكني حديث ويتحدثان سويةً وتنتقل السيارات والأشخاص بينهما، فيختفون ويخرجون من خلف كومة من الأنقاض في موقع للبناء. أخيرًا، تتلاشى الهندسة الاحتياطية للمباني الحضرية في أوراق الشجر الخصبة في الغابة. تُغرِق أصوات المطر الغزير كل شيء بالنسيان، كما لو كان ذلك تذكيراً بأننا نُحطَّم بشكل دائم ثم نتطهَّر ونولد من جديد. يحط طاووسٌ وحيد على سطح منزلٍ من الصفيح في قرية، ويومض ضوء النيون في النافذة كما لو كان هناك مثبِّتٌ صابه خلل في وظيفته وبات على وشك الاحتراق. الكائن الحي الوحيد هو الطائر: رمز القيامة والخلود.

The Image’s Tail ، 2020 ، قناتين فيديو ، صوت 8 دقائق و 13 ثانية. اللقطات من الفيديو

الخبر السار هو أنه لا يوجد موت بمعنى النهاية، الأمر يتعلق فقط بعملية تحول لا نهائية. تتميّز "النافورة الخاملة" (2020) بتمثالين من الطين والحجر شكلهما البحر على شاطئ بارامالي ترتل بقبرص. ثم تم تهذيبهما في يد الفنانة ووضعهما على أسطح حمضية صفراء فوق قواعد لامعة ذات قرميد أبيض، مستحضرةً بذلك إلى الأذهان حفريات معروضة في المتاحف أو رؤوس منكمشة في انتظار التشريح في مختبر علمي. لا يوجد شيء أصلي في عالمنا. كلّ شيءٍ يعود إلى الحالة التي لا شكل لها والتي قد بدأ منها.

"النافورة الخاملة" هي صورة مأخوذة من قصيدة بورخيس "مرثيّةٌ لحديقة" (1985)، قصيدة إلى الحاضر باعتباره سلسلة متصلة: "الساعة المتوقفة، زهرة العسل المتشابكة، التعريشة، التماثيل العابثة، الجانب الآخر من المساء، الارتعاشات، الشرفة والنافورة الخاملة، إنها أشياء من الماضي". أشياءٌ من الماضي؟ إذا لم تكن هناك بداية ولا نهاية، وإذا كان ما ينتظرنا هو مجموعة لا نهائية من الأيام البيضاء والليالي السوداء، فنحن مسبقاً الماضي الذي نصيرُه. نحن الزمن، النهر غير القابل للتجزئة. ومع ذلك، يعرف الفيزيائيون أن الوقت، المفهوم الذي نقلق حياله كثيراً، لا يوجد حقًا على هذا النحو، فالماضي والمستقبل وهمان. لا يوجد هناك سوى حاضرٌ دائم. إن الهمهمة السلسة لما نسميه الوقت تتجاوز حدود إدراكنا لأنها على وجه التحديد لا تنفصل عن إيقاع وجودنا. تماماً كجملةٍ غير مكتملة، ترمز النافورة المتوقفة إلى الركود والتدفق، مثلها مثل كل شيء، تتحرك حتى في حالة تقادمها. لا يوجد شيء ثابت في الكون. الطريقة الوحيدة للعيش هي الاستسلام للرحلة والدوران في وئام مع العالم. هكذا تبدأ مرثية بورخيس: "إننا مسبقاً النسيان الذي سوف نصيره في المستقبل".


كاثرين دريك كاتبة أمريكية مستقلة تركز على الفنون والعمارة والثقافة.

Previous
Previous

خطّ هيلاس-سوريا إكسبريس

Next
Next

من KONSTYANTYNIVKA إلى CONSTANTINOPLE