يومياتٌ حجرية

يومياتٌ حجرية

هيرا بويوكتاشيان


في ممارستها متعددة التخصصات ، تتكشف Büyüktaşcıyan الطرق التي تتشكل بها الذاكرة والهوية والمعرفة من خلال موجات تاريخية متأصلة بعمق ولكنها تتطور باستمرار. غالبًا ما تشير إلى الأساطير واللاهوت ، فضلاً عن الهياكل المعمارية المحددة كأساس لأعمالها ، وتراقب عن كثب أنسابها والطرق التي تتحول وتتطور بها بمرور الوقت. من خلال التدخلات والمنحوتات والرسومات والأفلام الخاصة بموقعها ، تغوص بويوكتاشيان في الخيال الأرضي من خلال الكشف عن أنماط من الروايات والجداول الزمنية المختارة التي تكشف عن الذاكرة المادية للمساحات غير المستقرة. المعارض المختارة: تيت مودرن ، المملكة المتحدة (2022) ؛ ترينالي المتحف الجديد ، نيويورك ، الولايات المتحدة الأمريكية (2021) ؛ المتحف البريطاني ، المملكة المتحدة (2021) ؛ بينالي أوتوسترادا ، كوسوفو (2021) ؛ بينالي لاهور الثاني ، باكستان (2020) ؛ 6 th ARTER ، اسطنبول ، تركيا (2013).

بدأ هذا اللقاء خلال جولات هيرا بويوكتاشيان الطويلة داخل المدينة منذ بداية انتشار الوباء لاقتفاء آثار بقايا العصر البيزنطي التي اندمجت كأجزاء معمارية هجينة صامتة في البيئة الحضرية.

يوم الأحد

بابٌ مفتوح

قالت صاحبة البيت:

خذ حذرك! فقد حاول أحدهم اقتحام المنزل عن طريق فتح البوابة الرئيسية عنوةً

قال لي ألا أترك الباب مفتوحًا. أبقِ عينيك مفتوحتين ضد أي قادم غير مرغوب به.

بينما كنت أشاهد عمالقة الحجر خاصتي أثناء مغادرتهم الممر الأخير عبر هذه البوابة،حدقت في الباب المفتوح، ثم نقلتُ نظري إلى الشارع الفارغ وبدأت انتظر وصول الحمّال الي سيلتقط القطع، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال مرور ظلِّ مجهول.التقطت كاميرات المراقبة صورة لرجل، استُنتج بطريقة أو بأخرى أنه غريب أو أجنبي بصورته المشوهة المنقطة: في الحقيقة إنه الانعكاس المرعب للآخر غير المرغوب به. ذكَّرني بجيريون ... وبهرقل الذي هزم جيرون كي يقهر المجهول.

ألقيت نظرة أخرى على البوابة، فقالت صاحبة المنزل: "لا شيء أبعد من ذلك".

يوم السبت

حلمٌ داخل حلم

الواقع صوتٌ بشري، عليك ضبطه، وليس الاستمرار في الصراخ.

........................

استيقظ سريعًا من حلمٍ جامح اختفى من ذاكرته في الحال واستلقى مستمعًا إلى وديان الجحيم الرائعة. كانت قرود الفجر تجتهد في عملها، تتجول وهي تطعم بعضها البعض في أعلى وأسفل أشجار الماهوغاني.انتزعت منه الصرخات بعض الخواطر. حدث ذلك عندما أراد جيريون التخطيط لسيرة حياته في تلك الحالة الضبابيةبين اليقظة والنوم عندما فتحت أمامه الكثير من صمامات الدخول إلى الروحالأشبه القشرة الأرضية وهي أرق بعشر مرات من قشر البيض. إن جلد الروح هو معجزة الضغوط المتبادلة.ملايين الكيلوغرامات من القوة تنطلق من باطن الأرض لتلتقي هواء العالم البارد وتتوقف.كما نفعل نحن في الوقت المناسب. اتّخذت مؤخراً السيرة الذاتيةالتي عمل عليها جيريون من سن الخامسة حتى الرابعة والأربعين، صيغة المقال الفوتوغرافي."الآن أصبحتُ رجلًا في مرحلة انتقالية"، قال جيريون في نفسهمستخدماً عبارة كان قد تعلّمها من قبل.

مقطع من "سيرة ذاتية للأحمر". رواية لِ آن كارسون.


يوم الجمعة

طبقات

ما الذي تتذكره الأرض في ضجة ماضٍ متراكم؟

تبدأ الأنقاض في اكتساب جسم جديد، مجموعة هجينة من الآثار الجماعية، من الذكريات والعواطف..تبدو وكأنها طبقة متموجة تتحرك، على عكس الصلابة الثابتة للأطلال..عندما تبدأ الأرض في التذكر ... هل سوف تهز أركاننا؟

تبدأ كل موجة مجزأة في التحدث أو الهمس بين الحين لآخر، تتمتم بلغة غير معروفة.إنّ هذا مختوم على سطحها كعلامة مكعبية وخطية لفك شيفرات ما تخبرنا به الأرض.

يوم الخميس

ورقة مخطوطٍ في راحة اليد

رأيت ظلال لمستي منقوشةً في كفي، كعلاماتٍ محفورة على بشرتي تصر على تجاوزها
 نحو سطح جديد كي تتعايش معه، فتؤكد وجودها. أراقب ورقة مخطوط مُحيت ثم كُتبت، من خلال النظرة واللمسة، بين ساكني الأرض والخيال.أجمع الآثار الشبحية لهذه الطبقات التي احتوتها بصمات أصابعي في راحة يدي،
 بينما أداعب ذكريات الحجر التي تلتقي مع ذكرياتي. ذكرى يدي.أبحث عن لغة جديدة بين فجوات الجسيمات الغائبة للذي لمس هذه الأحجار من قبلي.

أن تصبح تجسيداً لأحلام يقظة النهر قبل أن يطفو هذا التجسيد إلى السطح خلال عملية تشكل الزمن.
كل شيءٍ تجمّع في طبقات وتداخل مع بعضه البعض كورقة مخطوطٍ في راحة اليد.

يوم الأربعاء

توتّرٌ سطح

غالبًا ما يُشار باهتمام إلى الأنماط المتموجة على سطح الأعمدة ويتم تشبيهها بريش الطاووس أو قطرات الدمع، مثل العمود في كنيسة سيسترن.تُعرف هذه الأعمدة باللهجات العامية بالأعمدة الباكية. ومع ذلك فقد نشأت من لغة ذكورية إلى حد ما للسلطة كما في عصا هرقل،وهي شجرة تدعى "عصا الشيطان" نبتت عليها عدة أشواك. وفقًا للأساطير، استخدمها هرقل كسلاح لهزيمة الشر خلال مهماته الاثنتي عشرة.

ترى ماذا يمكن أن تكون طبيعة مهمات هرقل الاثنتي عشرة اليوم؟ هل سوف تسعى للتغلب على الشر أم على كل شيء غير مرغوب به؟كيف يمكن أن يعكس السطح القوة والخوف في آنٍ معاً؟ كيف يمكنه استيعاب الهشاشة، الاستمرارية والبطولة العدوانية؟

أثناء تفكيري في كل هذا، عثرتُ على سردٍ لمهمة هرقل العاشرة التي تمثلت باسترجاع ماشية جيريون* من أقصى الغرب ثم إحضارها إلى يوريستيوس؛ وهي الحدود الغربية لأسفاره. يعتبر هذا أقصى حد وصل إليه هرقل، وفي تلك المنطقة بالذات يوجد ممر مفقود يسمى "أعمدة هرقل". وفقًا لمصادر مختلفة، كانت هذه البوابة تحتوي على نقش يقول "لا شيء أبعد من هنا" وهو بمثابة تحذير للبحارة والملاحين بعدم الذهاب إلى أبعد من ذلك الحد.

*جيرون هو وحش أحمر مجنح مرعب عاش في جزيرة تُسمى إيريثيا (المكان الأحمر) وكان يرعى بهدوء قطيعًا من الماشية الحمراء السحرية، حتى جاء البطل هرقل عبر البحر وقتله ليحصل على الماشية. كان هرقل بطلاً يونانيًا عظيماً، وكان القضاء على جيريون أحد أعماله البطولية الشهيرة، مُشكّلا سردًا مثيرًا للانتصار على الوحشية. من رواية "السيرة الذاتية للأحمر" لِ آن كارسون.

يوم الثلاثاء

بين العميان

ما الذي كان بوسعه أن يفعله أكثر من الدوران ليلاً ونهاراً.

بين عشرةٍ من الرجال العميان. حاول اتخاذ وضعيات
 غير مرئية، أشار بإيماءات غير مفهومة. أحيانًا كان عارياً تماماً وأحيانًا أخرى ارتدى قميص أبطالٍ مقتولين متناولاً سيفهم في يده.

ارتدى في بعض الأحيان ثوباً شفافاً للمرأة الأسطورية المفقودة. التغييرات كانت دائماًمقنعة دون الحاجة إلى أي إثبات. العميانكُثُر، وهم ينامون جيدًا ... ولكن هو نفسه،كان يعلم جيدًا أن العميان لم يكونوا عمياناً على الإطلاق.

قصيدة "بين العميان" ل يانيس ريتسوس. ترجمها إلى الإنكليزية إيدموند كيلي. لم أتمكن من نسيان لقائي مع الأحجار، فعدت إلى الأنقاض في اليوم التالي.اليوم اقتربت منها من الجانب الآخر للطريق. مررتُ بين محلات المنسوجات والعلامات التجارية المزيفة والسلع المقلدة. بدأت الأحجار تظهر ببطء من بعيد. هذه المرة بدت مختلفة... على عكس ما شعرت به في اليوم السابق،
 البارحة، أعطتني المنقوشات المائلة اللطيفة إحساسًا بالتدفق المستمر، تدفق أبدي للطاقة الحية الذي كان ينبعث منها برغم جسمها الصخري.

اليوم، توحي هذه الأطلال بشعورٌ بالفخر المشتت الذي يحاول التمسك بسطوته الإمبريالية. لاحظت وجود خطوطٍ دائرية تشبه الأصابع كما لو كانت يد عملاقة تمسك بجميع الأعمدة. بينما كنت أتساءل عن ماهية هذه الأشكال الخطية، وجدت أخيرًا لوحة اسماء تقريباً غير مرئية.

"كانت منصة ثيودوسيوس (اليوم ساحة بيازيت) منطقة في القسطنطينية بناها في الأصل قسطنطين الأول وأطلق عليها اسم منصة توري. في عام 393، تمت إعادة تسميتها على اسم الإمبراطور ثيودوسيوس الأول، الذي أعاد بناءها على غرار نموذج منصة تراجان في روما، مع قوس النصر من الرخام البروكونيزي الذي أقيم على الجانب الغربي منها. كان قوس النصر يحتوي على ركيزتين عموديتين منحوتتين على شكل هراوات خارقة تمسكها قبضة. دُمّر القوس والمباني القديمة المحيطة به نتيجة الغزوات والزلازل وغيرها من الكوارث."نظرتُ حولي وحاولتُ أن أتخيل كيف ستبدو الأعمدة لو كانت ممراً. إن مجرّد التفكير في موقع هذه الأحجار يقول الكثير عن التحولات في موازين القوى في الماضي المضطرب.

فإذا ما تذكرنا ما مرت به ساحة بيازيت من اشتباكات سياسية وأيديولوجية وانفصالات تاريخية،يمكننا بسهولة تتبُّع الطريقة التي شكلت بها كل هذه التحوّلات الجو الاجتماعي، آخذين بعين الاعتبار مصير هذه الأنقاض.إن السلطة بصفتها مؤقتة تتفكك إلى أجزاءٍ وتندمج في البيئة الحضرية باعتبارها بقايا ماض غير مرغوب به،والتي تم إكراهُها على أن تصبح غير مرئية. اليوم تبقى هذه الأطلال كآثارٍ مقاومة للزمن، ولكنّنا لا نراها بأعيننا التي أصابها العمى.

يوم الاثنين

لقاء

أشعر بالخدر البارد للوقت الذي يمضي، فلا أنزعج من القشرة الثلجية التي تغطي بشرتي.لا تثلج السماء في هذه المدينة كما في السابق. ولكن عندما يحدث ذلك، فإن إحساسًا بالراحة يسكننيلكوني قادرةً على وهْبِ ومراقبة تدفق الطاقة من حولي دون أن ينتبه إليّ أحد، باستثناء أصحاب المتاجر الذين يجدون ملاذًا بين فجوات أطرافي ويستمتعون بفترات الاستراحة التي يحتسون خلالها الشاي. أحيانًا أسمعهم وهم يتسلقون الألواح التي أحملها متلفّظين بكلمات غير مفهومة تبدو أحيانًا مريرة وأحيانًا موسيقية، حسب كيفية نطقهم لها. يبدو الأمر وكأننا نتشارك المصير نفسه وهو أن نكون تجسيدًا للاختفاء.بينما تركّز هذه الأصوات على الهالة التي تحيط بي، يُدركُ متفرجون نادرون وجودي ويلاحظونني بنظراتهم المعجَبة التي يُرثى لها.

لا يشعر الثلج بالبرودة بقدر تمثالي المتحجّر، وذلك لأنه يقبع بين الأحياء والموتى.على العكس، أشعر وكأنه جلدٌ جديد أو قُبّةٌ تحميني من أصداء ماضٍ غير مرغوب به. في محاولةٍ لكتم أصوات شياطيني الداخلية والخارجية الأشبه بمناجاةٍ لا تنتهي، أصمت عندما تُجفلني لمسة غير متوقعة لكنها رقيقة. ربما، أخيراً، شخص ما سمعني.

في يومٍ شتائيِّ بارد، بينما أحاول الحفاظ على توازني على الرصيف الجليدي الزلق، يتركز نظري على مجموعةٍ من الحجارة الملقاة على مسافة مني بلا حراكٍ على الأرض، محاطة بموقف للسيارات وعربات الدفع.بدت لي كومة الحجارة هذه وكأنها آتيةٌ من عالمٍ آخر، مثل بحرٍ من العمالقة مغطىً بالثلج، تم تمويهه بسلعٍ من السوق كانت قد رُميت فيه.أكوام من القمامة تملأ فجوات الأحجار وصمتٌ يحيط بها يوازي ضجيج الشوارع المزدحمة. ما لفت انتباهي لم يكن فقط قوة تأثيرهم في ذلك الموقع على الأرض، وإنّما الطريقة التي دُمجوا بها في هذا المكان الحضري الذي يتناقض مع حجمهم، وعددهم، وأناقتهم، وهشاشتهم.

شعرتُ برغبةٍ عارمة للاقتراب منهم ولمس سطحهم، كما لو أن ما وجدته هو أنواعٌ من الحجارة نادراً ما تظهر للعيان. تردَّدتْ أصابعي لبرهة بسبب البرد القارص، لكنها بدأت في النهاية بإزالة الثلج عن سطح الأحجار. حاولت اتّباع الخطوط والأجواف والمنحنيات المحفورة على جلدها. في بعض الأجزاء، ملأ الثلج الذائب فجوات الخطوط المائلة فصار يشبه إلى حدِّ ما وريداً بارداً يضخ بعض الأمل للمستقبل أو يملاً نهراً دائم التّدفّق.

 
 
Previous
Previous

أزمنة ملتبسة

Next
Next

مقابلة مع الفنّانين جوانا حاجي توما وخليل جريج